كلام عن الصدقه
الحمد لله العالم بما تخفي الضمائر. وما تحمله السرائر. والصلاة والسلام على النبي قدوة المؤمنين.
وعلى الال والاصحاب سادة المتقين.
اخواني المسلمين : ما نعيشه في ايامنا هذه من انتشار للفقر والغلاء والتعب والعناء في
جلب لقمة العيش وطلب الزرق وهذا عمل فضيل جليل , بيننا اناس ليس لهم من
يعيلهم او يكادون لا يجدون ما يسد رمقهم لا يعلم حالهم الا الله جل في
علاه , هم اخواننا ونحن عنهم مسؤولون ولمن يريد ان يستوثق فليراجع الجمعيات الخيرية وليرى
ما باتت تئن به ملفاتهم من الثقل , عصرنا مادي مجحف قاسي مليء بالفتن فلا
يكاد الجار الغني بعلم عن جاره الفقير المعوز بل لا يعلم عن قريبه الفقير المحتاج
فكيف بالبعيد المسكين.
حديثنا عن الصدقة , ولنبدا الكلام بقصة بعنوان لقمة بلقمة ورد بها ما يلي:
كان لامراة ابن فغاب عنها غيبة طويلة وايست من رجوعه فجلست يوما تاكل فحين كسرت
اللقمة واهوت بها الى فيها وقف بالباب سائل يستطعم فامتنعت عن اكل اللقمة وحملتها مع
تمام الرغيف فتصدقت بها وبقيت جائعة يومها وليلها.
فما مضت الا ايام يسيرة حتى قدم ابنها فاخبرها بشدائد عظيمة مرت به وقال: اعظم
ما جرى علي اني كنت منذ ايام اسلك طريقا في فلاة اذ خرج علي اسد
فانقض علي من على ظهر حمار كنت اركبه وفر الحمار هاربا ونشبت مخالب الاسد في
مرقعة كانت علي وثياب تحتها وجبة فما وصل الى بدني كبير شيء من مخالبه الا
اني تحيرت ودهشت وذهب اكثر عقلي والاسد يحملني حتى ادخلني كهفا وبرك علي ليفترسني فرايت
رجلا عظيم الخلق ابيض الوجه والثياب وقد جاء حتى قبض على الاسد من غير سلاح
وشاله وخبط به على الارض وقال: “قم يا كلب لقمة بلقمة” فقام الاسد يهرول وثاب
الي عقلي فطلبت الرجل فلم اجده وجلست بمكاني ساعات الى ان رجعت الي قوتي ثم
نظرت الى نفسي فلم اجد بها باسا فمشيت حتى لحقت بالقافلة التي كنت فيها فتعجبوا
لما راوني فحدثتهم حديثي ولم ادر ما معنى قول الرجل: “لقمة بلقمة”. فنظرت المراة فاذا
هو وقت اخرجت اللقمة من فيها فتصدقت بها.
اخواني : الصدقة؟ ذلك العمل الجليل.. وذلك الذخر الغالي!
فهل فكرت اخي ان تكون من اهلها؟! وهل تفكرت يوما في ثوابها واثرها العجيب؟!
قال ابو ذر الفغاري رضي الله عنه: ( الصلاة عماد الاسلام والجهاد سنام العمل والصدقة
شيء عجيب! والصدقة شيء عجيب! والصدقة شيء عجيب! ).
الصدقة! كنز لا تصل اليه الايدي.. وذخر لا تخاف عليه حوادث الايام!
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ان استطعت ان تجعل كنزك حيث لا ياكله
السوس ولا تناله اللصوص؛ فافعل بالصدقة! ).
اخي المسلم: فضل الصدقة عظيم.. وخيرها واصل لاصحابها في الدنيا والاخرة.. ولا تنسى ان ما
يصلك من خير الصدقة؛ اكثر مما يصل من تصدقت عليه! فلا تظنن ان المسكين هو
المنتفع بالصدقة وحده فان من ظن ذلك فهو جاهل بثواب الصدقة العظيم..
قال الشعبي : (من لم ير نفسه الى ثواب الصدقة احوج من الفقير الى صدقته؛
فقد ابطل صدقته؛ وضرب بها وجهه! ).
وكان سفيان الثوري ينشرح اذا راى سائلا على بابه ويقول : ( مرحبا بمن جاء
يغسل ذنوبي! ).
وكان الفضيل بن عياض يقول : ( نعم السائلون؛ يحملون ازوادنا الى الاخرة بغير اجرة!
حتى يضعوها في الميزان بين يدي الله تعالى! ).
هكذا كان فهم العلماء الربانيين للصدقة؛ فاياك ان يغيب عنك هذا المعنى!
واسال نفسك: هل دار في فكرك هذا المعنى في يوم من الايام؟!
فان الكثيرين يتصدقون ولا يتذكرون مثل هذه المعاني.. وكان من الاحسن ان يعيشوا لحظات هذا
العمل الجليل بقلوبهم؛ حتى يجدوا حلاوة العمل الصالح..
فان الصدقة؛ بركة.. وتوفيق.. وخير.. وذخر.. واصحابها هم اهل المعروف؛ واسعدهم بها؛ اصدقهم نية.. واعرفهم
بشرفها..
فحاسب نفسك اخي: ما هو نصيبك من هذا الفضل؟! وكم فاتك منه؟!
ولا يفوتنك ان تتامل فيما جاء في فضلها من الايات والاحاديث النبوية؛ ليكون ذلك حافزا
لك ان تكون من اهل الصدقة.. ومن المسارعين اليها..
قال الله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويامركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع
عليم} (268) سورة البقرة
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( اثنان من الشيطان واثنان من الله تعالى ثم
قرا هذه الاية: الشيطان يعدكم الفقر ويامركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا يعني: يامركم
بالطاعة والصدقة؛ لتنالوا مغفرته وفضله والله واسع عليم يعني: واسع الفضل عليم بثواب من يتصدق
).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: { الساعي على الارملة والمسكين؛ كالمجاهد في سبيل الله
او القائم الليل الصائم النهار! } [رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { افضل الاعمال ان تدخل على اخيك
المؤمن سرورا اوتقضي عنه دينا او تطعمه خبزا } [رواه البيهقي في الشعب وابن ابي
الدنيا في قضاء الحوائج/ صحيح الجامع:1096].
اخي المسلم: ان الصدقة اذا كانت لله تعالى؛ فلا تستحقرن شيئا منها.. فان الله كريم..
يضاعف الحسنات.. فلا تنسى وانت تتصدق انك تتعامل مع الله تعالى.. المتفرد بالامر!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما تصدق احد بصدقة من طيب
ولا يقبل الله الا الطيب الا اخذها الرحمن بيمينه وان كانت تمرة فتربو في كف
الرحمن حتى تكون اعظم من الجبل! كما يربي احدكم فلوه او فصيله } [رواه البخاري
ومسلم واللفظ لمسلم].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ان رجلا عبد الله سبعين سنة ثم اصاب
فاحشة فاحبط عمله ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف فغفر الله له ذنبه ورد عليه
عمل السبعين سنة! ).
ويقال: ان الحسن مر به نخاس ومعه جارية فقال للنخاس: ( اترضى في ثم نها
الدرهم والدرهمين؟! ) قال: لا! قال: ( فاذهب فان الله عز وجل رضى في الحور
العين بالفلس واللقمة! ).
فتصدق اخي المسلم.. وثق بموعود الله تعالى.. فانه لا يخلف الميعاد.. واعلم انك ما من
شيء تخرجه لله تعالى؛ الا وجدته امامك مدخرا.. فتصدق.. وانفق وتذكر قول النبي صلى الله
عليه وسلم : { اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة }
[رواه البخاري ومسلم].
قال يحيى بن معاذ: ( ما اعرف حبة تزن جبال الدنيا الا من الصدقة! ).
فايقظ همتك اخي.. واطرد الشح والحرص من قلبك وابذل المعروف للمحتاج؛ فانك لا تدري متى
ترحل من الدنيا؟! فهل يسرك ان ترحل بغير زاد؟!! فان قليلا تقدمه اليوم؛ خير لك
من كثير تخلفه! فقدم لنفسك في كاس قبل الممات.. وكثرة الحسرات!
قال تعالى {وانفقوا من ما رزقناكم من قبل ان ياتي احدكم الموت فيقول رب لولا
اخرتني الى اجل قريب فاصدق واكن من الصالحين} {ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء اجلها
والله خبير بما تعملون} (10) (11) سورة المنافقون
فكم من اناس رحلوا من الدنيا بغير زاد! بعد ان تركوا الاموال.. وودعوا النعيم! رحلوا
بالحسرات.. ولزمتهم التبعات! فلا المال ليوم معادهم قدموه.. ولا رحلوا به؛ بل لاهل الميراث تركوه!!
فكانك غدا خبر من الاخبار.. وسمر من الاسمار!
ايا من عاش في الدنيا طويلا *** وافنى العمر في قيل وقال
واتعب نفسه فيما سيفنى *** وجمع من حرام او حلال
هب الدنيا تقاد اليك عفوا *** اليس مصير ذلك للزوال
اخي المسلم: ولا تقولن: اني اذا انفقت افتقرت! فان ذلك من وسواس الشيطان كما مر
معك ذلك.. فان الصدقة؛ خير وبركة؛ فانك كلما اخرجت شيئا لله تعالى عوضك الله خيرا
منه مع ما ادخره لك من الحسنات والثواب العظيم..
واستمع الى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه.. فقد وصاه بقوله:
{ انفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش اقلالا } [رواه البزار والطبراني/ صحيح
الجامع:1512].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ما من يوم يصبح العباد فيه؛ الا
ملكان ينزلان فيقول احدهما: اللهم اعط منفقا خلفا ويقول الاخر: اللهم اعط ممسكا تلفا }
[رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ما نقصت صدقة من مال.. } [رواه
مسلم].
ولتعلم اخي؛ انك لكي تكون من المتصدقين؛ لا يشترط ان تكون كثير المال؛ بل ان
كل ما جادت به يداك فهو صدقة وان لقمة واحدة تطعمها لجائع.. بل ان النبي
صلى الله عليه وسلم اخبر ان خير الصدقة صدقة رجل قليل المال!
عن ابي هريرة انه قال: ( يا رسول الله اي الصدقة افضل؟ ) قال: {
جهد المقل وابدا بمن تعول } [رواه ابو داود/ صحيح ابو داود للالباني:1677].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { سبق درهم مائة الف! } قالوا: يا
رسول الله وكيف؟! قال: { رجل له درهمان؛ فاخذ احدهما فتصدق به ورجل له مال
كثير فاخذ من عرض ماله مائة الف فتصدق بها } [رواه النسائي وغيره/ صحيح النسائي
للالباني:2527].
عن ابي مسعود رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يامرنا بالصدقة فما يجد احدنا شيئا يتصدق به؛ حتى ينطلق الى السوق فيحمل على ظهره
فيجيء بالمد فيعطيه رسول الله اني لاعرف اليوم رجلا له مائة الف ما كان له
يومئذ درهم! ) [رواه النسائي/ صحيح النسائي:2528].
وعن ام بجيد رضي الله عنها انها قالت: يا رسول الله ان المسكين ليقوم على
بابي فما اجد شيئا اعطيه اياه. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ ان لم تجدي الا ظلفا محرفا فادفعيه اليه في يده } [رواه الترمذي وابن
خزيمة/ صحيح الترغيب للالباني:884].
فتصدق اخي المسلم ولو باقل القليل.. وارج ثواب الله تعالى.. فان القليل اذا اخرجته بنية
صادقة؛ فهو خير من كثير يخرجه صاحبه بنية ضعيفة.. فكم من جائع اللقمة عنده افضل
مما حوته الدنيا! وكم من عار الثوب عنده افضل من كل غال!
اخي المسلم: وان من ابواب الخير العظيمة؛ ان يكون لك دين على اخيك؛ فتمهله حتى
يتيسر له قضاؤه او تضع عنه بعضه او تتصدق عليه بجميعه.. فان الكثيرين ينسون هذا
الباب من الخير؛ فيفرطوا في ثواب كثير!
قال الله تعالى: {وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان
كنتم تعلمون} (280) سورة البقرة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من سره ان يظله الله في
ظله يوم لا ظل الا ظله؛ فلييسر عن معسر او ليضع عنه } [رواه الطبراني/
صحيح الترغيب:912].
فان ذلك من اسباب دخول الجنة.. فلا يفوتنك هذا الخير العظيم!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كان رجل يداين الناس فكان يقول
لفتاه: اذا اتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه }
[رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية للبخاري: { فادخله الله الجنة! }.
اخي المسلم: ذلك خير عظيم تناله اذا يسرت على اخيك المسلم في الدين وهو عمل
قليل تدرك من خلفه ذلك الثواب كله! فلا تكونن في ذلك من المغبونين! فحاسب نفسك
ايها العاقل: اين انت من ثواب الصدقة! ذلك الذخر العظيم.. والثواب الكبير! ثم اخي المسلم
لا بد ان تعلم ان فضائل الصدقة كثيرة وعظيمة.. وهي ثم ار يجنيها المتصدقون!
فاليك فضائل وفوائد الصدقة؛ حتى تقف على شرفها..
اولا: انها تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى وتدفع المكروه قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: { صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد
في العمر } [رواه الطبراني/ صحيح الجامع:3797].
قال ابن ابي الجعد: ( ان الصدقة لتدفع سبعين بابا من السوء! ).
ثانيا: انها تمحو الخطيئة وتذهب نارها كما في قوله صلى الله عليه وسلم : {
والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار } [صحيح الترغيب].
ثالثا: انها وقاية من النار كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { فاتقوا
النار ولو بشق تمرة }.
رابعا: ان المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر قال:
سمعت رسول الله يقول: { كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس }.
قال يزيد: ( فكان ابو مرثد لا يخطئه يوم الا تصدق فيه بشيء ولو كعكة
او بصلة ) قد ذكر النبي ان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل الا ظله: { رجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق
يمينه } [في الصحيحين].
خامسا: ان في الصدقة دواء للامراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: {
داووا مرضاكم بالصدقة }.
يقول ابن شقيق: ( سمعت ابن المبارك وساله رجل: عن قرحة خرجت في ركبته منذ
سبع سنين وقد عالجها بانواع العلاج وسال الاطباء فلم ينتفع به فقال: اذهب فاحفر بئرا
في مكان حاجة الى الماء فاني ارجو ان ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم ففعل
الرجل فبرا ) [صحيح الترغيب].
سادسا: ان فيها دواء للامراض القلبية كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى
اليه قسوة قلبه: { اذا اردت تليين قلبك فاطعم المسكين وامسح على راس اليتيم }
[رواه احمد].
سابعا: ان الله يدفع بالصدقة انواعا من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني
اسرائيل: ( وامركم بالصدقة فان مثل ذلك رجل اسره العدو فاوثقوا يده الى عنقه وقدموه
ليضربوا عنقه فقال: انا افتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم ) [صحيح الجامع]
فالصدقة لها تاثير عجيب في دفع انواع البلاء ولو كانت من فاجر او ظالم بل
من كافر فان الله تعالى يدفع بها انواعا من البلاء وهذا امر معلوم عند الناس
خاصتهم وعامتهم واهل الارض مقرون به لانهم قد جربوه.
ثامنا: ان العبد انما يصل حقيقة البر بالصدقة
كما جاء في قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من
شيء فان الله به عليم} (92) سورة ال عمران
تاسعا: ان المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول صلى الله
عليه وسلم : { ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول احدهما:
اللهم اعط منفقا خلفا ويقول الاخر: اللهم اعط ممسكا تلفا } [في الصحيحين].
عاشرا: ان صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم
عن ذلك بقوله: { ما نقصت صدقة من مال } [في صحيح مسلم].
الحادي عشر: انه لا يبقى لصاحب المال من ماله الا ما تصدق به كما في
قوله تعالى: {وما تنفقوا من خير فلانفسكم وما تنفقون الا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا
من خير يوف اليكم وانتم لا تظلمون } (272) سورة البقرة .
ولما سال النبي صلى لله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها
ما بقى منها: قالت: ما بقى منها الا كتفها. قال: { بقي كلها غير كتفها
} [في صحيح مسلم].
الثاني عشر: ان الله يضاعف للمتصدق اجره كما في قوله عز وجل: {ان المصدقين والمصدقات
واقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم اجر كريم} (18) سورة الحديد . وقوله سبحانه:
{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط واليه
ترجعون} (245) سورة البقرة .
الثالث عشر: ان صاحبها يدعى من باب خاص من ابواب الجنة يقال له باب الصدقة
كما في حديث ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { من
انفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير: فمن كان
من اهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من اهل الجهاد دعي من باب
الجهاد ومن كان من اهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من اهل الصيام
دعي من باب الريان } قال ابو بكر: يا رسول الله ما على من دعي
من تلك الابواب من ضرورة فهل يدعى احد من تلك الابواب كلها: قال: { نعم
وارجو ان تكون منهم } [في الصحيحين].
الرابع عشر: انها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد
الا اوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث ابي هريرة ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: { من اصبح منكم اليوم صائما؟ } قال ابو بكر: انا. قال:
{ فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ } قال ابو بكر: انا. قال: { فمن عاد
منكم اليوم مريضا؟ } قال ابو بكر: انا فقال رسول الله : { ما اجتمعت
في امرىء الا دخل الجنة } [رواه مسلم].
الخامس عشر: ان فيها انشراح الصدر وراحة القلب وطمانينته فان النبي صلى الله عليه وسلم
ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما الى تراقيهما فاما
المنفق فلا ينفق الا اتسعت او فرت على جلده حتى يخفى اثره واما البخيل فلا
يريد ان ينفق شيئا الا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع [في الصحيحين]
( فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره فهو بمنزلة اتساع تلك
الجبة عليه فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح وقوي فرحه وعظم سروره ولو لم يكن في
الصدقة الا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقيا بالاستكثار منها والمبادرة اليها وقد قال تعالى:
{ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون} (16) سورة التغابن
السادس عشر: ان المنفق اذا كان من العلماء فهو بافضل المنازل عند الله كما في
قوله صلى الله عليه وسلم : { انما الدنيا لاربعة نفر: عبد رزقه الله مالا
وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بافضل المنازل..
} الحديث.
السابع عشر: ان النبي جعل الغنى مع الانفاق بمنزلة القران مع القيام به وذلك في
قوله صلى الله عليه وسلم : { لا حسد الا في اثنين: رجل اتاه الله
القران فهو يقوم به اناء الليل والنهار ورجل اتاه الله مالا فهو ينفقه اناء الليل
والنهار } فكيف اذا وفق الله عبده الى الجمع بين ذلك كله؟ نسال الله الكريم
من فضله.
الثامن عشر: ان العبد موف بالعهد الذي بينه وبين الله ومتمم للصفقة التي عقدها معه
متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير الى ذلك قوله جل وعلا: {ان
الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون
وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقران ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي
بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} (111) سورة التوبة
التاسع عشر: ان الصدقة دليل على صدق العبد وايمانه كما في قوله صلى الله عليه
وسلم : { والصدقة برهان } [رواه مسلم].
العشرون: ان الصدقة مطهرة للمال تخلصه من الدخن الذي يصيبه من جراء اللغو والحلف والكذب
والغفلة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي التجار بقوله: { يا معشر التجار
ان هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة } [رواه احمد والنسائي وابن ماجة صحيح
الجامع].
الحادي والعشرون : الصدقة تطفئ حر القبور , كما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: { ان الصدقة لتطفئ عن اهلها حر القبور! } [رواه الطبراني والبيهقي/ صحيح الترغيب].
الثاني والعشرون : الصدقة تقربك من الله تعالى , قال عبدالعزيز بن عمير: ( الصلاة
تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه! ).
الثالث والعشرون : الصدقة سبب في تيسير موقف الحساب يوم القيامة , قال عبيد بن
عمير: ( يحشر الناس يوم القيامة اجوع ما كانوا قط واعطش ما كانوا قط واعرى
ما كانوا قط فمن اطعم لله عز وجل اشبعه الله؛ ومن سقى لله عز وجل
سقاه الله؛ ومن كسا لله عز وجل كساه الله ).
افضل الصدقات
الاول: الصدقة الخفية؛ لانها اقرب الى الاخلاص من المعلنة , وفي ذلك يقول جل وعلا
{ان تبدوا الصدقات فنعما هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من
سيئاتكم والله بما تعملون خبير} (271) سورة البقرة
ومن هذا مدح النبي صدقة السر واثنى على فاعلها واخبر انه احد السبعة الذين هم
في ظل عرش الرحمن يوم القيامة ولهذا جعله سبحانه خيرا للمنفق واخبر انه يكفر عنه
بذلك الانفاق من سيئاته
الثانية: الصدقة في حال الصحة والقوة افضل من الوصية بعد الموت او حال المرض والاحتضار
, كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { افضل الصدقة ان تصدق وانت
صحيح شحيح تامل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى اذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا
ولفلان كذا الا وقد كان لفلان كذا } [في الصحيحين].
الثالثة: الصدقة التي تكون بعد اداء الواجب , كما في قوله عز وجل: {ويسالونك ماذا
ينفقون قل العفو } (219) سورة البقرة وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا
صدقة الا عن ظهر غنى… } وفي رواية: { وخير الصدقة ظهر غنى } [كلا
الروايتين في البخاري].
الرابعة: بذل الانسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة , لقوله صلى الله عليه وسلم
: { افضل الصدقة جهد المقل وابدا بمن تعول } [رواه ابو داود] وقال صلى
الله عليه وسلم : { سبق درهم مائة الف درهم } قالوا: وكيف؟! قال: {
كان لرجل درهمان تصدق باحدهما وانطلق رجل الى عرض ماله فاخذ منه مائة الف درهم
فتصدق بها } [رواه النسائي صحيح الجامع]
قال البغوي رحمه الله: ( والاختيار للرجل ان يتصدق بالفضل من ماله ويستبقي لنفسه قوتا
لما يخاف عليه من فتنة الفقر وربما يلحقه الندم على ما فعل فيبطل به اجره
ويبقى كلا على الناس ولم ينكر النبي على ابي بكر خروجه من ماله اجمع لما
علم من قوة يقينه وصحة توكله فلم يخف عليه الفتنة كما خافها على غيره اما
من تصدق واهله محتاجون اليه او عليه دين فليس له ذلك واداء الدين والانفاق على
الاهل اولى الا ان يكون معروفا بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل
ابي بكر وكذلك اثر الانصار المهاجرين فاثنى الله عليهم بقوله ويؤثرون على انفسهم ولو كان
بهم خصاصة [الحشر:9] وهي الحاجة والفقر [شرح السنة].
الخامسة: الانفاق على الاولاد , قال صلى الله عليه وسلم { اربعة دنانير: دينار اعطيته
مسكينا ودينار اعطيته في رقبة ودينار انفقته في سبيل الله ودينار انفقته على اهلك افضلها
الدينار الذي انفقته على اهلك } [رواه مسلم].
السادسة: الصدقة على القريب , كان ابو طلحة اكثر انصاري بالمدينة مالا وكان احب امواله
اليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال
انس: ( فلما انزلت هذه الاية: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ال عمران:92].
قام ابو طلحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان
الله يقول في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وان احب اموالي الي
بيرحاء وانها صدقة لله ارجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بخ بخ مال رابح وقد سمعت
ما قلت فيها اني ارى ان تجعلها في الاقربين }. فقال ابو طلحة: افعل يا
رسول فقسمها ابو طلحة في اقاربه وبني عمه [في الصحيحين].
وقال صلى الله عليه وسلم: { الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان
صدقة وصلة } [رواه احمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]،
واخص الاقارب – بعد من تلزمه نفقتهم – اثنان:
الاول: اليتيم؛ لقوله جل وعلا: فلا اقتحم العقبة (11) وما ادراك ما العقبة (12) فك
رقبة (13) او اطعام في يوم ذي مسغبة (14) يتيما ذا مقربة (15) او مسكينا
ذا متربة [البلد:11-16]. والمسبغة: الجوع والشدة.
الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها
فقد قال صلى الله عليه وسلم : { افضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح }
[رواه احمد وابو داود والترمذي صحيح الجامع].
السابعة: الصدقة على الجار, فقد اوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: والجار ذي القربى والجار
الجنب [النساء:36] واوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابا ذر بقوله: { واذا طبخت مرقة
فاكثر ماءها واغرف لجيرانك منها } [رواه مسلم].
الثامنة: الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله , لقوله صلى الله عليه وسلم: {
افضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله
ودينار ينفقه الرجل على اصحابه في سبيل الله عز وجل } [رواه مسلم].
التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهادا للكفار او المنافقين فانه من
اعظم ما بذلت فيه الاموال
فان الله امر بذلك في غير ما موضع من كتابه وقدم الجهاد بالمال على الجهاد
بالنفس في اكثر الايات ومن ذلك قوله سبحانه: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدواباموالكم وانفسكم في سبيل
الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون) [التوبة:41]،
ويقول عليه الصلاة والسلام: { افضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله عز وجل او
منحة خادم في سبيل الله او طروقة فحل في سبيل الله } [رواه احمد والترمذي
صحيح الجامع] وقال صلى الله عليه وسلم: { من جهز غازيا في سبيل الله فقد
غزا } [في الصحيحين]،
ولكن ليعلم ان افضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة
والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا اما ما كان في وقت كفاية وانتصار
للمسلمين فلا شك ان في ذلك خيرا ولكن لا يعدل الاجر في الحالة الاولى
العاشرة: الصدقة الجارية وهي ما يبقى بعد موت العبد ويستمر اجره عليه , لقوله صلى
الله عليه وسلم : { اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية
او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم (سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره : من
علم علما او كرى نهرا او حفر بئرا او غرس نخلا او بنى مسجدا او
نهرا اكراه او ترك ولدا يستغفر له بعد موته)
بدانا بقصة وننتهي ايضا بقصة ورد بها ما يلي:
عن الفضيل بن عياض قال: حدثني رجل ان رجلا خرج بغزل فباعه بدرهم ليشتري به
دقيقا فمر على رجلين كل واحد منهم اخذ براس صاحبه.
فقال: ما هذا؟
فقيل: يقتتلان في درهم فاعطاهما ذلك الدرهم وليس له شيء غيره فاتى الى امراته فاخبرها
بما جرى له فجمعت له اشياء من البيت فذهب لبيعها فكسدت عليه فمر على رجل
ومعه سمكة قد اروحت اي تغيرت رائحتها.
فقال له: ان معك شيئا قد كسد ومعي شيء قد كسد فهل لك ان تبيعني
هذا بهذا؟ فباعه وجاء الرجل بالسمكة الى البيت وقال لزوجته: قومي فاصلحي امر هذه السمكة
فقد هلكنا من الجوع.
فقامت المراة تصلحها فشقت جوف السمكة فاذا هي بلؤلؤة قد خرجت من جوفها فقالت المراة:
يا سيدي قد خرج من جوف السمكة شيء اصغر من بيض الدجاج وهو يقارب بيض
الحمام.
فقال: اريني فنظر الى شيء ما راى في عمره مثله فطار عقله وحار اليه فقال
لزوجته: هذه اظنها لؤلؤة.
فقالت: اتعرف قدر اللؤلؤة؟!
قال: لا ولكني اعرف من يعرف ذلك.
ثم اخذها وانطلق بها الى اصحاب اللؤلؤ الى صديق له جوهري فسلم عليه فرد عليه
السلام وجلس الى جانبه يتحدث واخرج تلك اللؤلؤة وقال: انظر كم قيمة هذه؟
قال: فنظر زمانا طويلا ثم قال: لك بها علي اربعون الفا فان شئت اقبضتك المال
بسرعة وان طلبت الزيادة فاذهب بها الى فلان فانه اثم ن بها لك مني.
فذهب بها اليه فنظر اليها واستحسنها وقال: لك بها علي ثم انون الفا وان شئت
الزيادة فاذهب بها الى فلان فاني اراه اثم ن بها مني.
فذهب بها اليه فقال: لك بها علي مائة وعشرون الفا ولا ارى احدا يزيدك فوق
ذلك شيئا.
فقال: نعم فوزن له المال فحمل الرجل في ذلك اليوم اثنتي عشرة بدرة في كل
بدرة عشرة الاف درهم فذهب بها الى منزله ليضعها فيه فاذا فقير واقف بالباب يسال.
فقال: هذه قصتي التي كنت عليها… ادخل فدخل الفقير.
فقال: خذ نصف هذا المال فاخذ الرجل الفقير ست بدر فحملها ثم تباعد غير بعيد
ورجع اليه وقال: ما انا بمسكين ولا فقير وانما ارسلني اليك ربك عز وجل الذي
اعطاك بالدرهم عشرين قيراطا فهذا الذي اعطاك قيراطا منه وذخر لك تسعة عشر قيراطا.
ااخواني : تلك هي الصدقة.. وذلك هو شرفها وفضلها.. فحاسب النفس: اين هي من ذلك
كله؟!
واغتنم العمر في فعل الصالحات.. فان قليلا تقدمه بين يديك اليوم؛ خير لك من كنز
الاموال والبخل بانفاقها..
والله اسال ان يجعلني واياكم من المتصدقين والمزكين والراحمين وان يتقبل منا اعمالنا سبحانه عزوجل.
والحمد لله تعالى.. وصلى الله وسلم على النبي محمد واله والاصحاب..