بدات باحصاء الايام المتبقيه لحلول شتاء العام الحالي في وقت مبكر من خريف السنه الماضيه
2007. فذلك الصيف المتطرف بقيظه كان شديدا وغير معتاد او مرغوب فيه: موجات حر لم
تتوقف شح مياه غير مسبوق غبار رطوبه احوال خماسينيه وطاه شديده للصيف وغيرها من مشتقات
غير ساره .
رحل ذلك الصيف بمره وعلقمه وجاء الخريف الخجول. بدات في مهمه جديده عندما شرعت في
احصاء سيل هائل من التوقعات المتناقضه بالموسم المطري الضيف فمنهم من ذهب للاعتقاد بموسم جيد
ومنهم من صبغ توقعاته باللون الاسود وفريق ثالث تخبط في تكهناته اخرون بدلوا رايهم ساعه
الصفر او تنصلوا منه بلباقه .
اهتمام
امطر خريفنا بغزاره على مدى يومين وعم التفاؤل ثم تبدل الحال بسرعه وصار علينا انتظار
نشرات الاحوال الجويه الجافه . جريا على العاده رحت ادمج في ترقبي لحال السماء اكثر
من اسلوب: الاذاعه المسموعه والاقمار الاصطناعيه ومواقع شبكه الانترنت والقنوات الفضائيه الناطقه بالعربيه وبالانجليزيه والعربيه
. في كل مره كنت احصل على خليط متناقض من التوقعات: مطر محلي منخفض ضيف
سيزورنا من ناحيه البحر الاحمر امطار ستبدا في ساعات الصباح وتخف حدتها خلال الليل شمس
في كانون صقيع تكرر عشرات المرات رياح عاتيه احاديث عن موجتي ثلج ارتفاع انخفاض درجات
حراره اعلى من معدلها بعشر درجات في اذار واخرى ما دون سبع درجات تحت الصفر
وخليط عجيب…
كان علي ايضا ان ارد على استفسارات المزارعين والمهتمين بحال الشتاء فقد اعتادوا توقعاتي
التي بدات بها في سن مبكره من طفولتي لدرجه ان بعضهم ينعتني بالراصد الجوي واخرين
اسدوا الي النصيحه بالعمل في قناه تلفزيونيه مقدما لحاله الجو وفريق ثالث كان يستغرب كل
هذا الاهتمام الذي يصدر مني بحال الشتاء والصيف فمهنتي على الورق لا في الاعتناء بالارض.
في كل مره كنت اشاهد نشرات جويه حديثه اجمع عشرات الملاحظات: فهناك من يتخبط في
توقعاته وفي الغالب كان المنجمون “يكذبون” ولم يصدفوا(بالفاء لا القاف). وبعض مقدمات النشرات الجويه ومقدميها
يسقطوا رغباتهم الشخصيه فيتمنون الطقس الدافئ في “المربعانيه ” ولا يخفون سرورهم بايام شباط الحاره
والاغرب كان فرحهم بالربيع الحار الذي حملته لنا بدايات اذار او يرتدون ملابس الصيف في
عز الشتاء..
يتمنون انحباس الامطار!
لم استطع المرور عند تلك الاحوال مرور الكرام فكتبت لاحداهن رساله الكترونيه هذا نصها:” السيده
(…) المحترمه تحيه وشكرا. ارجو ان لا اكون مزعجا في رسالتي ولكن لم استطع اغماض
عيني عن رغبتك الجامحه وامنياتك في ان تكون ايام كانون الثاني مشمسه ودافئه جدا كي
نتخلص من ملابسنا الثقيله . اريد ان اسالك سؤالا سطحيا مفاده: اذا لم تمطر السماء
يا سيدتي فمن اين سننعم بالمياه؟ ومن اين سناكل؟ وماذا سنشرب؟ وكي سنتمتع بالربيع وازهاره؟”
لم تات اجابه ولو دبلوماسيه من سيده الشاشه تلك فالامر ربما لا يستحق من
وجهه نظرها!!
في شهري شباط واذار كان الحال اكثر تعقيدان فلم اعد اثق بالنشرات الجويه وصرت اعتذر
عن الرد على جمهور المتصلين بي هاتفيا ليس لانني لا امتلك معلومات ولكن لان الحال
لا يسر. كنت اتظاهر بانني لم اسمع هذا اليوم لتكهنات الراصد الجوي او اكتف بالاشاره
الى ان هذا المتنبئ الجوي او ذاك لم يعد قادرا على التوقع.
يوميات مره
اكتب في يومياتي التي اعتدت كتابتها من نحو اثنتي عشره سنه : “ها هو ذا
سعد الذابح يرحل ويتبعه سعد بلع ولم نعيش حاله مطر حقيقيه كتلك التي امطرني والدي
في الحديث عنها حينما كانوا يعدون اربعين يوما متواصله من المطر. واختفى عنا البرق والرعد
هذا بكل تاكيد انقلاب في احوالنا المناخيه ونحن لسنا الا جزءا من العله فممارساتنا كلها
تعادي الطبيعه وتتدخل فيها. ليتنا نسمح لها بالانتصار لنفسها ليتنا لم نحول سهولنا الى مقابر
من الاسمنت وليتنا لم نجتث اشجارنا وليتني لم اسمع بالاحتباس الحراري وثقب طبقه الاوزون كي
لا ندفع ثم نا باهظا لافعالنا السوداء.”
غامت ولم تمطر!
كنت اراقب بحسره غيوم شباط واذار واقول في اعماقي: يبدو ان المثال الذي كنا نحفظه
عن ظهر قلب خلال فترات الدراسه من منهاج قواعد اللغه العربيه والذي يقول(غامت السماء ثم
امطرت) لم يعد صحيحا فها هي ذي السماء ملبده بالغيوم لكنها لا تمطر.
كان ذلك الليل حزينا بالنسبه لي عندما توقع الراصد الجوي شتاء في الرابع عشر من
اذار واليوم الذي سبقه لكن قطره مطر واحده لم تسقط على الارض الجافه ،
ويبدو ان المثل الشعبي (اذار ابو الزلازل والامطار) بحاجه لتحرير لم تغادر نظراتي شرفه مكتبنا
لمراقبه الغيوم واكملت المهمه من نافذه المنزل وانتظرت وانتظرت…
اخرج الى الطبيعه في الخامس عشر من اذار وكانني استمع الى صوتها الحزين فالارض
الملونه يبدو انها ستجف عما قريب وها هي التشققات تبدو فيها وكاننا ايضا قفزنا بدون
تدرج الى نهايه ايار. هنا ثم ار لوز في غير اوجها اما الحشائش فمرشحه للاصفرار
وشقائق النعمان نادره وعصا الراعي افله والمن الورقي يحتل الخلايا الخضراء اما الديدان فاطلت باكرا
من سباتها فيما “ضحاضيح” المياه-وهي التجاويف المنتشره في الصخور- فارغه …