كلمه عن صله الرحم

لقد امر الله بصله الارحام والبر والاحسان اليهم ونهى وحذر عن قطيعتهم والاساءه اليهم وعد
صلى الله عليه وسلم قطيعه الارحام مانعا من دخول الجنه مع اول الداخلين ومصل للمسيئين
لارحامهم بنار الجحيم.

فهذا بحث مختصر عن صله الارحام وعن حقوق الاقارب والاهل عن تعريف الرحم بنوعيها الخاصه
والعامه وعن فضل وثواب الصله ووزر وعقوبه القطيعه وعن الفروق الرئيسيه بين صله الرحم المؤمنه
المستقيمه والرحم الكافره والفاجره وما يتعلق بذلك فاقول:

تعريف صله الرحم

الصله : الوصل وهو ضد القطع ويكون الوصل بالمعامله نحو السلام وطلاقه الوجه والبشاشه والزياره
وبالمال ونحوها.

الرحم: اسم شامل لكافه الاقارب من غير تفريق بين المحارم وغيرهم وقد ذهب بعض اهل
العلم الى قصر الرحم على المحارم بل ومنهم من قصرها على الوارثين منهم وهذا هو
مذهب ابي حنيفه وروايه عن احمد رحمهما الله والراجح الاول.

نوعا الرحم

الرحم التي امر الله بها ان توصل نوعان:

الاول: رحم الدين وهي رحم عامه تشمل جميع المسلمين وتتفاوت صلتهم حسب قربهم وبعدهم من
الدين وكذلك حسب قربهم وبعدهم الجغرافي.

ويدل على ذلك قوله تعالى: “انما المؤمنون اخوه فاصلحوا بين اخويكم”[2] فاثبت الله الاخوه الايمانيه
لجميع المسلمين وقوله: “فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم”[3] قال القرطبي:
(وظاهر الآيه انها خطاب لجميع الكفار).[4]

الثاني: رحم القرابه القريبه والبعيده من جهتي الابوين.

ولكل من هذين النوعين حقوق ونوع صله .

حكم صله الرحم وقطعها

صله الرحم واجبه وقطيعتها محرمه ومن الكبائر.

قال القرطبي رحمه الله: (اتفقت المله على ان صله الرحم واجبه وان قطيعتها محرمه ).[8]

وقال ابن عابدين الحنفي: (صله الرحم واجبه ولو كانت بسلام وتحيه وهديه ومعاونه ومجالسه ومكالمه
وتلطف واحسان وان كان غائبا يصلهم بالمكتوب اليهم فان قدر على السير كان افضل).

والادله على ذلك كثيره منها:

1. قوله تعالى: “واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام”.[9]

2. وقوله تعالى: “فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين
لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم”.[10]

3. وجاء في حديث ابي سفيان لهرقل عندما قال له: فما يامر؟ قال: “يامرنا بالصلاه
والصدقه والعفاف والصله “.[11]

4. وعن عائشه رضي الله عنها ترفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم: “ان الرحم
شجنه من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته”.[12]

فضل وثواب واصل الرحم في الدنيا والآخره

لقد وعد الله ورسوله واصل الرحم بالفضل العظيم والاجر الكبير والثواب الجزيل من ذلك:

اولا: في الدنيا

1. فهو موصول بالله عز وجل في الدنيا والآخره فعن ابي هريره رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ان الله خلق الخلق حتى اذا فرغ من
خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعه ؛ قال: نعم اما ترضين ان
اصل من وصلك واقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب؛ قال: فهو لك؛ قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: اقراوا ان شئتم: “فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في
الارض وتقطعوا ارحامكم”.

2. يبسط له في رزقه.

3. ينسا له في اجله ان يزاد في عمره بسبب صلته لرحمه.

4. تعمر داره.

5. صله الرحم تدفع عن صاحبها ميته السوء.

6. يحبه الله.

7. يحبه اهله.

ثانيا: في الآخره

صله الرحم سبب من اسباب دخول الجنه مع اول الداخلين عن ابي ايوب الانصاري رضي
الله عنه ان رجلا قال: يا رسول الله اخبرني بعمل يدخلني الجنه ؛ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: “تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاه وتؤتي الزكاه وتصل
الرحم”.[17]

عقوبه ووزر قاطع الرحم في الدنيا والآخره

اولا: في الدنيا

1. لا يرفع له عمل ولا يقبله الله

2. لا تنزل الرحمه على قوم فيهم قاطع الشر يعم والخير يخص فلا تنزل رحمه
على قوم فيهم قاطع رحم ولهذا يجب التواصي ببر الآباء وصله الارحام والتحذير من العقوق
فاذا فعلوا ذلك سلموا من هذه العقوبه .

3. تعجيل العقوبه للعاق في الدنيا قبل الآخره

4. ابواب السماء مغلقه دون قاطع الرحم

ثانيا: في الآخره

1. لا يدخل الجنه مع اول الداخلين

2. لا تفتح له ابواب الجنه اولا.

3. يدخر له من العذاب يوم القيامه مع تعجيل العقوبه في الدنيا ان لم يتب
اويتغمده الله برحمته.

4. يسف المل وهو الرماد الحار

بم توصل الرحم؟

الصله تكون بالفعل وهو الاحسان اوبالترك وهو كف الاذى وهي درجات دنيا وعليا.

اولا: صله الرحم العامه

وهي رحم الدين ووشيجه التقوى فانها تحصل بالآتي:

1. التناصح والتشاور.

2. التوادد.

3. العدل والانصاف.

4. القيام بالحقوق الواجبه والمستحبه على قدر الطاقه .

5. التعليم والارشاد والتوجيه.

6. الامر والنهي.

7. الشفاعه الحسنه .

8. تحمل الاذى.

9. كف الاذى عنهم وهذا اضعف الايمان ان يكف الانسان اذاه عن اخوانه المسلمين.

والادله على ذلك كثيره جدا فمن القرآن:

1. “انما المؤمنون اخوه فاصلحوا بين اخويكم”.[25]

2. “واخفض جناحك للمؤمنين”.[26]

ومن السنه :

1. “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”[27] وشبك بين اصابعه.

2. “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له
سائر الجسد بالسهر والحمى”.[28]

3. “المسلم اخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام
عرضه وماله ودمه التقوى ههنا بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم”.[29]

ثانيا: صله الرحم الخاصه

وهم جميع القرابات من جهه النسب من قبل الام والاب وهؤلاء صلتهم عامه كذلك وخاصه
:

(ا‌) الصله العامه

وهي شامله لجميع حقوق الصله لعامه المسلمين التي ذكرناها آنفا.

(ب‌) صله خاصه

وهي زياده حقوق على حقوق المسلم العامه .

على المرء ان يسع جميع ارحامه بالحقوق العامه والخاصه فان تزاحمت ارحامه فعليه ان يصل
الاقرب فالاقرب كما ورد في الحديث: “من احق الناس بحسن صحابتي” الذي جاء فيه: “ثم
ادناك ادناك”.

وفي الجمله فان الصله الخاصه تكون بالآتي:

الحد الادنى

وهذا يحصل ب:

1. السلام.

2. طلاقه الوجه التبسم.

3. كف الاذى.

الحد الاعلى

وهذا يحصل ب:

1. الزياره .

2. عياده المريض.

3. الاهداء.

4. الانفاق على المعسرين.

5. المشاركه في الافراح والاتراح.

6. التهنئه بالاعياد وليس للمسلمين سوى عيدي الفطر والاضحى.

7. تمييزهم على غيرهم في الصدقات الواجبه والصدقات التطوعيه .

8. تمييزهم في الشفاعات الحسنه .

9. تمييزهم في التوجيه والتعليم.

10. تمييزهم على غيرهم في الجيره .

11. تمييزهم على غيرهم في تحمل الاذى.

تعلموا من انسابكم ما تصلون به ارحامكم

مما يدل على مكانه صله الارحام في الاسلام وعلو منزلتها ان الشارع الحكيم امر بتعلم
الانساب ومعرفه القرابات التي تعين على صله الارحام والاحسان اليهم فقال صلى الله عليه وسلم:
“تعلموا من انسابكم ما تصلون به ارحامكم”.[51]

فيجب على الآباء والاجداد تبصير الابناء والاحفاد بحقوق القرابات وبصلتهم بها فان كثيرا من شباب
اليوم لا يعرف شيئا عن كثير من ارحامهم ويرجع ذلك الى تقصير الكبار في هذا
الشان فقد جاء في الاثر: “لا يزال الناس بخير ما تعلم الصغير قبل موت الكبير”
فاذا مات الكبار ذهبوا بما عندهم من علوم وتجارب ومعارف قد لا توجد عند غيرهم
من الناس.

صل من قطعك واعط من حرمك واعرض عمن ظلمك

واخيرا اخي الحبيب عليك بفواضل الاعمال ودع عنك قبيحها وسيئها واعمل بوصيه ربك ورسولك وتخلق
بخلق الانبياء الاخيار واحذر سلوك الحمقى الاغمار.

عن عقبه بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاخذت بيده فقلت: يا رسول الله اخبرني بفواضل الاعمال؛ فقال: “يا عقبه صل من
قطعك واعط من حرمك واعرض عمن ظلمك”.[56]

واحرص اخي المسلم ان تكون سيرتك مع اهلك واقاربك المحسنين منهم والمسيئين كسيره المقنع الكندي[57]
مع اهله وعشيرته لتسعد في آخرتك وتحمد وتشكر في دنياك حيث قال مبينا منهجه ومعاملته
لهم:

يعاتبني في الدين قومي وانما ** ديوني في اشياء تكسبهم حمدا

اسد به ما قد اخلوا وضيعوا ** حقوق ثغور ما اطاقوا لها سدا

و لي جفنه لا يغلق الباب دونها ** مكلله لحما مدفقه ثردا

ولي فرس نهد عتيق جعلته ** حجابا لبيتي ثم اخدمته عبدا

وان الذي بيني وبين بني ابي ** وبين بني عمي لمختلف جدا

اذا اكلوا لحمي وفرت لحومهم ** وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وان ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ** وان هم هووا غيي هويت لهم رشدا

وليسوا الى نصري سراعا وان هم ** دعوني الى نصر اتيتهم شدا

وان زجروا طيرا بنحس يمر بي ** زجرت لهم طيرا يمر بهم سعدا

ولا احمل الحقد القديم عليهم ** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

لهم جل مالي ان تتابع لي غنى ** وان قل مالي لم اكلفهم رفدا

واني لعبد الضيف ما دام نازلا ** وما شيمه لي غيرها تشبه العبدا

واخيرا اعلم ايها الاخ الكريم ان العبره بسلامه الصدر وتقارب القلوب ونقاء الطويه والسريره ولله
در ابن عباس حين قال: “قد تقطع الرحم وقد تكفر النعمه ولا شيء كتقارب القلوب”؛
وفي روايه عنه: “تكفر النعمه والرحم تقطع والله يؤلف بين القلوب لم يزحزحها شيء ابدا”؛
ثم تلا: “لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف
بينهم”.[58]

اللهم الف بين قلوب المسلمين واهدهم سبل السلام وجنبهم الفتن والآثام.

ونسالك اللهم قلبا سليما ولسانا صادقا ونسالك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسالك من خير ما
نعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم انك تعلم خائنه الاعين وما
تخفي الصدور وصلى الله وسلم وبارك على محمد صاحب القلب السليم والقدر العظيم وعلى آله
وصحبه الطاهرين الطيبين وعلى من تبعهم باحسان الى يوم الدين.