كلمة عن الجنه
الحمد للة رب العالمين و الصلاه و السلام علي اشرف المرسلين نبينا محمد و علي الة و أصحابة و من اتبع هداة و اقتفا اثرة الي يوم الدين اما بعد:
فقد قال النبى : { قال الله عز و جل: اعددت لعبادى ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر. فاقرءوا ان شئتم: فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قره اعينن [السجدة:17] } [رواة البخارى و مسلم و غيرهما].
قال الإمام ابن القيم رحمة الله:
وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيدة و جعلها مقرا لأحبابة و ملأها من رحمتة و كرامتة و رضوانة و وصف نعيمها بالفوز العظيم و ملكها بالملك الكبير و أودعها كل الخير بحذافيرة و طهرها من جميع عيب و آفه و نقص.
فإن سألت: عن ارضها و تربتها فهى المسك و الزعفران.
وإن سألت: عن سقفها فهو عرش الرحمن.
وإن سألت: عن ملاطها فهو المسك الأذفر.
وإن سألت: عن حصبائها فهو اللؤلؤ و الجوهر.
وإن سألت: عن بنائها فلبنه من فضه و لبنه من ذهب لا من الحطب و الخشب.
وإن سألت: عن اشجارها فما بها شجره الا و ساقها من ذهب.
وإن سألت: عن بعدها رها فأمثال القلال الين من الزبد و أحلي من العسل.
وإن سألت: عن و رقها فأحسن ما يصبح من رقائق الحلل.
وإن سألت: عن انهارها فأنهارها من لبن لم يتغير طعمة و أنهار من خمر لذه للشاربين و أنهار من عسل مصفى.
وإن سألت: عن طعامهم ففاكهه مما يتخيرون و لحم طير مما يشتهون.
وإن سألت: عن شرابهم فالتسنيم و الزنجبيل و الكافور.
وإن سألت: عن انيتهم فآنيه الذهب و الفضه فصفاء القوارير.
وإن سألت: عن سعت ابوابها فبين المصراعين مسيره اربعين من الأعوام و ليأتين علية يوم و هو كظيظ من الزحام.
وإن سألت: عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب من يسمعها.
وإن سألت: عن ظلها ففيها شجره و احده يسير الراكب المجد السريع فظلها مئه عام لا يقطعها.
وإن سألت: عن خيامها و قبابها فالخيمه من دره مجوفه طولها ستون ميلا من تلك الخيام.
وإن سألت: عن علاليها و جواسقها فهى غرف من فوقها غرف مبنيه تجرى من تحتها الأنهار.
وإن سألت: عن ارتفاعها فانظر الي الكوكب الطالع او الغارب فالأفق الذي لا تكاد تنالة الأبصار.
وإن سألت: عن لباس اهلها فهو الحرير و الذهب.
وإن سألت: عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشه فاعلي الرتب.
وإن سألت: عن ارائكها فهى الأسره عليها البشخانات و هى الحجال مزرره بأزرار الذهب فما لها من فروج و لا خلال.
وإن سألت: عن اسنانهم فأبناء ثلاثه و ثلاثين علي صوره ادم علية السلام ابى البشر.
وإن سألت: عن و جوة اهلها و حسنهم فعلي صوره القمر.
وإن سألت: عن سماعهم فغناء ازواجهم من الحور العين و أعلي منة سماع اصوات الملائكه و النبيين و أعلي منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب انشأها الله مما شاء تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان.
وإن سألت: عن حليهم و شارتهم فأساور الذهب و اللؤلؤ علي الرؤوس ملابس التيجان.
وإن سألت: عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون.
وإن سألت: و إن سألت عن عرائسهم و أزواجهم فهن الكواعب الأتراب اللائى جري فاعضائهن ماء الشباب فللورد و التفاح ما لبستة الخدود و للرمان ما تضمنتة النهود و للؤلؤ المنظوم ما حوتة الثغور و للدقه و اللطافه ما دارت علية الخصور.
تجرى الشمس فمحاسن و جهها اذا برزت و يضيئ البرق من بين ثناياها اذا تبسمت و إذا قابلت حبها فقل ما شئت فتقابل النيرين و إذا حادثتة فما ظنك فمحادثه الحبيبين و إن ضمها الية فما ظنك بتعانق الغصنين يري و جهة فصحن خدها كما يري فالمرآه التي جلاها صيقلها [الصيقل: جلاء السيوف و المقصود هنا تشبية و جة الحوراء بالمرآه التي جلاها و لمعها منظفها حتي بدت انظف و أجلي ما يكون] و يري مخ ساقها من و راء اللحم و لا يسترة جلدها و لا عظمها و لا حللها.
لو اطلت علي الدنيا لملأت ما بين الأرض و السماء ريحا و لاستنطقت افواة الخلائق تهليلا و تكبيرا و تسبيحا و لتزخرف لها ما بين الخافقين و لأغمضت عن غيرها جميع عين و لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم و لآمن جميع من رآها علي و جة الأرض بالله الحى القيوم و نصيفها (الخمار) علي رأسها خير من الدنيا و ما فيها.
ووصالة اشهي اليها من كل امانيها لا تزداد علي تطاول الأحقاب الا حسنا و جمالا و لا يزداد علي طول المدي الا محبه و وصالا مبرأه من الحبل (الحمل) و الولاده و الحيض و النفاس مطهره من المخاط و البصاق و البول و الغائط و سائر الأدناس.
لا يفني شبابها و لا تبلي ثيابها و لا يخلق ثوب جمالها و لا يمل طيب و صالها ربما قصرت طرفها علي زوجها فلا تطمح لأحد سواة و قصرت طرفة عليها فهى غايه امنيتة و هواة ان نظر اليها سرتة و إن امرها اطاعتة و إن غاب عنها حفظتة فهو معها فغايه الأمانى و الأمان.
هذا و لم يطمثها قبلة انس و لا جان كلما نظر اليها ملأت قلبة سرورا و كلما حدثتة ملأت اذنة لؤلؤا منظوما و منثورا و إذا برزت ملأت القصر و الغرفه نورا.
وإن سألت: عن السن فأتراب فاعدل سن الشباب.
وإن سألت: عن الحسن فهل رأيت الشمس و القمر.
وإن سألت: عن الحدق (سواد العيون) فأحسن سواد فاصفي بياض فاقوى حور (أي: شده بياض العين مع قوه سوادها).
وإن سألت: عن القدود فهل رأيت اقوى الأغصان.
وإن سألت: عن النهود فهن الكواعب نهودهن كألطف الرمان.
وإن سألت: عن اللون فكأنة الياقوت و المرجان.
وإن سألت: عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتى جمع لهن بين الحسن و الإحسان فأعطين جمال الباطن و الظاهر فهن افراح النفوس و قره النواظر.
وإن سألت: عن حسن العشره و لذه ما هنالك: فهن العروب المتحببات الي الأزواج بلطافه التبعل التي تمتزج بالزوج اي امتزاج.
فما ظنك بإمرأه اذا ضحكت بوجة زوجها اضاءه الجنه من ضحكها و إذا انتقلت من قصر الي قصر قلت هذة الشمس متنقل فبروج فلكها و إذا حاضرت زوجها فياقوى تلك المحاضره و إن خاصرتة فيا لذه تلك المعانقه و المخاصرة:
وحديثها السحر الحلال لو انه *** لم يجن قتل المسلم المتحرزإن طال لم يملى و إن هى اوجزت *** و د المحدث انها لم توجزإن غنت فيا لذه الأبصار و الأسماع و إن انست و أنفعت فيا حبذا تلك المؤانسه و الإمتاع و إن قبلت فلا شيء اشها الية من هذا التقبيل و إن ناولت فلا الذ و لا اطيب من هذا التنويل.
هذا و إن سألت: عن يوم المزيد و زياره العزيز الحميد و رؤيه و جهة المنزة عن التمثيل و التشبية كما تري الشمس فالظهيره و القمر ليله البدر كما تواتر النقل فية عن الصادق المصدوق و هذا موجود فالصحاح و السنن المسانيد و من روايه جرير و صهيب و أنس و أبى هريره و أبى موسي و أبى سعيد فاستمع يوم ينادى المنادي:
يا اهل الجنة
إن ربكم تبارك و تعالي يستزيركم فحيي علي زيارتة فيقولون سمعا و طاعه و ينهضون الي الزياره مبادرين فإذا بالنجائب ربما اعدت لهم فيستوون علي ظهورها مسرعين حتي اذا انتهوا الي الوادى الأفيح الذي جعل لهم موعدا و جمعوا هنالك فلم يغادر الداعى منهم احدا امر الرب سبحانة و تعالي بكرسيه فنصب هنالك بعدها نصبت لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ذهب و منابر من فضه و جلس ادناهم – و حاشاهم ان يصبح بينهم دنئ – علي كثبان المسك ما يرون اصحاب الكراسى فوقهم العطايا حتي اذا استقرت بهم مجالسهم و اطمأنت بهم اماكنهم نادي المنادي:
يا اهل الجنة
سلام عليكم.
فلا ترد هذة التحيه بأحسن من قولهم: اللهم انت السلام و منك السلام تباركت ياذا الجلال و الإكرام. فيتجلي لهم الرب تبارك و تعالي يضحك اليهم و يقول:
يا اهل الجنة
فيصبح اول ما يسمعون من تعالى: اين عبادى الذين اطاعونى بالغيب و لم يرونى فهذا يوم المزيد. فيجتمعون علي كلمه و احدة:
أن ربما رضينا فارض عنا فيقول:
يا اهل الجنة
إنى لو لم ارض عنكم لم اسكنكم جنتى ذلك يوم المزيد فسلونى فيجتمعون علي كلمه و احدة:
أرنا و جهك ننظر اليه.
فيكشف الرب جل جلالة الحجب و يتجلا لهم فيغشاهم من نورة ما لو لا ان الله سبحانة و تعالي قضي الا يحترقوا لاحترقوا. و لا يبقي فذلك المجلس احد الا حاضرة ربة تعالي محاضره حتي انه يقول:
يا فلان اتذكر يوم فعلت هكذا و هكذا يذكرة ببعض غدراتة فالدنيا فيقول: يا رب الم تغفر لي؟
فيقول: بلي بمغفرتى بلغت منزلتك هذه.
فيا لذه الأسماع بتلك المحاضرة.
ويا قره عيون الأبرار بالنظر الي و جهة الكريم فالدار الآخرة. و يا ذله الراجعين بالصفقه الخاسرة.
و جوة يومئذ ناضره (22) الي ربها ناظره (23) و وجوة يومئذ باسره (24) تظن ان يفعل فيها فاقره [القيامة:22-25].
فحيي علي جنات عدن فإنها *** منزلك الأولي و بها المخيمولكننا سبى العدو فهل تري *** نعود الي اوطاننا و نسلمانتهي كلام ابن القيم رحمة الله تعالي [حادى الأرواح الي بلاد الأفراح:(ص355-360)].
- كلمه عن الجنه