لندن –
– بعد ايام قليله على خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما في القاهره في 4 حزيران
(يونيو) الموجه الى المسلمين في العالم اصدر 27 يهوديا شرقيا (مزراحيا) اسرائيليا رساله مفتوحه بعنوان
“روح جديده رساله من اليهود المتحدرين من البلدان الاسلاميه “.
ودعمت رسالتهم “الروح الجديده التي عبر عنها الرئيس اوباما في خطابه في القاهره “. واعلن
الموقعون انهم ولدوا في اسرائيل ويحملون الجنسيه الاسرائيليه غير ان ثقافه الشرق الاوسط والثقافه العربيه
تشكلان “جزءا من هويتنا وهي رابط لا يسعنا قطعه ولا نرغب في قطعه ان استطعنا
ذلك”. واضافت الرساله ان على رغم بعض الاوقات الصعبه التي شهدها تاريخ اليهود في الاراضي
الاسلاميه ثم ه “تاريخ رائع من الحياه المشتركه “. ودعت اليهود المزراحيين “الذين يشكلون اليوم
50 في المئه من الشعب اليهودي في اسرائيل” الى “مد جسر حيوي للذاكره وبلسمه الجراح
وارساء الشراكه بين اليهوديه والاسلام”.
واجرت الصحيفه الالكترونيه “بالستاين كرونيكل” مقابله مطوله مع احد الموقعين على الرساله وهو صحافي وشاعر
وناشط يدعى ماتي شمولوف في السابعه والثلاثين من العمر عاش اسلافه في سوريه وايران والعراق
وهو عضو في “مركز القياده الاجتماعيه اليهوديه ” وهي منظمه لليهود الشرقيين. وقد لفت الى
ان الرساله “تدعو العالم العربي الى تبيان ان الحكومه واصحاب القرار الاسرائيليين لا يتكلمون لغتنا”.
واضاف ان رد الفعل الاولي على الرساله المفتوحه في اسرائيل تمثل بالقول انها عنصريه لانها
لم تذكر اليهود الاوروبيين.
يشعر قارئ الرساله بالعواطف التي تم التعبير عنها الا ان الكتاب الذي صدر اخيرا عن
اليهود الشرقيين الاسرائيليين من تاليف الصحافيه راشيل شابي يعطي املا ضئيلا في ان يتمكنوا في
ظل الظروف الحاليه من تاديه دور “الجسر الحيوي” كما ذكر في الرساله . ونشرت كليه
الاعلام في “جامعه يال” كتاب شابي بعنوان “ليس العدو: اليهود في اسرائيل القادمون من الاراضي
العربيه “. ويذكر الكتاب القراء بان فكره مد اليهود الشرقيين “جسرا” للسلام مع الفلسطينيين كانت
سائده منذ زمن طويل.
وبالعوده الى عام 1971 كان الناشطون اليهود الشرقيون المعروفون بالنمور السود اولى المجموعات الاسرائيليه المتصله
باعضاء من منظمه التحرير الفلسطينيه . وقد اعترفوا بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم وربطوا ذلك بقضيه
اليهود الشرقيين.
ولكن خلال حرب 1973 خسر النمور السود دعم الشعب الاسرائيلي. وقد صبت الشكاوى السياسيه التي
عبروا عنها وخيبه املهم من حزب العمال في دعم الجناح اليميني في السياسه الاسرائيليه .
وساهم تصويت اليهود الشرقيين في فوز حزب الليكود في انتخابات عامي 1977 و1981.
ويحتفل هذه السنه بالذكرى العشرين لمحاوله مد الجسر “المزراحي” وهو عباره عن لقاء عقد في
مدينه طليطله في اسبانيا حضره سياسيون وكتاب واكاديميون فلسطينيون ويهود شرقيون. ومن بين المشاركين الفلسطينيين
انذاك الشاعر محمود درويش والرئيس محمود عباس.
واثار الاجتماع رد فعل غاضبا ضمن شرائح المجتمع الاسرائيلي التي رفضت مقوله ان اليهود الشرقيين
كانوا ضحايا الدوله اليهوديه وان ذلك قد يكون مرتبطا بطريقه او باخرى بالاذى الذي يتعرض
له الفلسطينيون.
كتبت شابي: “فشلت المحاولات التي قام بها الناشطون المزراحيون ليمدوا جسورا سياسيه بين الاسرائيليين والفلسطينيين
وذلك بعد استبعاد امكانيه النجاح وتشويه سمعه الجانبين علما ان ذلك احتل مساحه ضيقه من
الحوار الذي دار بين القوتين المتعارضتين”. وبعدما اندلعت الانتفاضه الفلسطينيه الثانيه عام 2000 فقد الحديث
عن الجسور اهميته حتى ان اولئك الذين كانوا “ناشطين في مد الجسور” تخلوا عن الفكره
.
وفي راي شابي “لا يساهم بناء الجسور في ايجاد مخرج للحرب حول الاراضي بل يمكن
ان يؤتي ثم اره بعد انتهاء الحرب في حال انتهت في شكل عادل”.
ويحمل كتاب شابي عناصر غنيه حول تاريخ اليهود الشرقيين في اسرائيل ووضعهم الحالي كما انه
روايه مبنيه على ابحاث وافيه ومكتوبه في شكل متقن. ويزعم عدد من الاسرائيليين انه على
مر العقود تقلصت الانقسامات التي كانت قائمه بين اليهود الاشكناز الاوروبيين واليهود الشرقيين. لكن كتاب
شابي يقدم دلائل تظهر عكس ذلك.
وشابي يهوديه شرقيه ولدت من اب مولود في البصره ووالده مولوده في بغداد وعاشت في
كركوك. عندما رحل والداها من العراق توجها الى اسرائيل حيث ولدت راشيل الا انهم هاجروا
مجددا ليستقروا بعدها في لندن. والى اليوم عندما يسال والدها عن البلد الذي ينتمي اليه
يجيب: “انا انتمي الى العراق بالطبع فانا عراقي”.
تستخدم شابي كلمه “مزراحي” لتدل على اليهود “السفارديم” الذين طردوا من اسبانيا عام 1492 واولئك
الذين كانوا على غرار اليهود العراقيين يعيشون في الشرق الاوسط. وشكل اليهود الشرقيون (المزراحيون) في
مراحل معينه اكثريه اليهود الاسرائيليين اي حوالى 70 في المئه الا ان تهافت 800 الف
يهودي او اكثر من الاتحاد السوفياتي قلص نسبتهم الى 40 و50 في المئه . وتشير
شابي الى انه في حال اضافه عدد اليهود الشرقيين والعرب في اسرائيل يصبح ثلثا الشعب
الاسرائيلي من اصل شرق اوسطي.
وتقول شابي ان كتابها حظي بترحيب واسع: “كتبت عنه مراجعات ايجابيه كما اعتبره البعض مساعدا
على فهم عدد من الامور. من المثير الاطلاع على هذه الاراء لانها تؤكد السبب الذي
دفعني الى التفكير في وضع كتاب لا سيما ان عددا قليلا من الاشخاص يعلم ان
نصف الشعب اليهودي في اسرائيل على الاقل يتحدر من اراض عربيه او مسلمه “.
الا عندما ترى وتفهم طبيعه العلاقات العدائيه التي تربطها بشعوب الشرق الاوسط. وانتقد البعض الكتاب
معتبرين انه يهاجم اسرائيل. ولكن على غرار كثيرين لا اقبل ان يوصف اي انتقاد لاسرائيل
على انه معاد للاسرائيليين”.
اصدرت دار النشر “برلين فرلاغ” ترجمه المانيه للكتاب وتامل شابي ان يتم اصداره باللغتين العربيه
والعبريه وقالت: “يعتبر اليهود الشرقيون ان نخبه اليهود الاشكناز غير قادره على حل النزاع الاسرائيلي
– الفلسطيني”.
ويصر اليهود الشرقيون على انهم كانوا سيؤدون عملا افضل في هذا المجال لو اعطوا فرصه
القيام بذلك. الا ان هذه ليست نظره الفلسطينيين المشاركين في عمليه المفاوضات والذين يشيرون الى
انه لم يتم استبعاد اليهود الشرقيين من مفاوضات مماثله او تغييبهم.
ونقلت شابي عن رئيس دائره المفاوضات في السلطه الفلسطينيه صائب عريقات قوله: “لقد رايت يهودا
عراقيين الى طاوله المفاوضات. كما رايت يهودا يمنيين ومغاربه وايرانيين في اعلى مناصب السلطه وصناعه
القرار. فاخبروا اصدقاءكم وانسباءكم العراقيين انكم كنتم ممثلين على طاوله المفاوضات. لقد خدعوكم”.
بدا اليهود “الاشكناز” يستقرون في فلسطين مطلع عام 1880 وقد انشاوا المنظمات واداروها قبل تاسيس
دوله اسرائيل عام 1948 وبعدها. وبعد قتل ملايين اليهود في الهولوكوست “تذكر الصهاينه اليهود الشرق
اوسطيين” وكانت الوكاله اليهوديه تعمل على تحديد موقع اليهود وامتصاصهم.
اشتهر عن دافيد بن غوريون الذي اصبح رئيس وزراء اسرائيل قوله: “لا نريد ان يصبح
الاسرائيليون عربا”. وقدمت شابي امثله كثيره على السلوك والملاحظات التمييزيه المعاديه لليهود الشرقيين التي مارسها
السياسيون والصحافيون والطلاب والاخرون على مر السنين. ونسب تدني انجازات اليهود الشرقيين في ميدان التعليم
مثلا الى اوضاعهم في العالم العربي الذي اتوا منه الى اسرائيل. وتم النظر الى ثقافه
اليهود الشرقيين على انها وضيعه ويجب التنعم بها سرا.
درست شابي بدقه واتزان الاسباب التي دفعت اليهود الى الرحيل عن البلدان العربيه ونظرت في
دور وكلاء الاستخبارات الصهاينه في العراق في زرع قنابل موجهه ضد اهداف يهوديه لدفعم للهجره
الى اسرائيل. وتم سلب اليمنيين الذين هاجروا الى اسرائيل عددا من الاشياء التي حملوها معهم
مثل المخطوطات التي يعود تاريخها الى الاف السنين.
ولدى وصول المهاجرين اليهود الشرقيين الجدد بشاحنات نقل القطيع تم رشهم بالمبيدات وانزالهم في معسكرات
في ظل ظروف قاسيه . وارسلوا بعد ذلك الى مدن مثل سديروت التي تضم 70
في المئه من المغاربه . وتعاني هذه المدن وضعا اجتماعيا واقتصاديا سيئا فضلا عن ان
سكانها مستاؤون من طريقه معاملتهم.
التقت شابي في قريه “اوفاكيم” يهوديا مغربيا يبلغ 36 سنه من العمر مستاء من معامله
مجتمعه له فاعلن: “لن يرفع اولادي العلم الاسرائيلي ابدا!”. وقد وصف التمييز المعادي لليهود الشرقيين
في المدارس والجيش وهو يلوم اليهود على الهولوكوست. وزارت مركز بابل للارث اليهودي في مدينه
اور يهودا المعروفه ب “العراق الصغيره ” واعتبرته نسخه غير صحيحه عن تاريخ اليهود في
العراق. اذ يعتبر المركز مثلا ان اليهود كانوا معزولين في المجتمع العراقي وهو امر مبالغ
فيه.
كما تقدم شابي عددا من الامثله عن التمييز الدائم ضد اليهود الشرقيين في المجتمع الاسرائيلي.
اذ نادرا ما نجد على قنوات التلفزه الاسرائيليه مقدمي برامج يتكلمون لهجه اليهود الشرقيين الا
ان الشخصيات المضحكه هي دائما يهوديه شرقيه . اما اكثريه اساتذه وتلاميذ الجامعات والقضاه في
المحكمه العليا فهم من عائلات اشكنازيه فيما الغالبيه الساحقه من عمال التنظيف في الجامعات وبائعي
الاكشاك والمجرمين هم من اصول شرقيه .
كما ان غالبيه السكان في المناطق الراقيه هم من الاشكناز فيما يعيش اليهود الشرقيون في
احياء فقيره ويسكنون في منازل قديمه . اما فرص حصول التلاميذ الاشكناز على شهادات جامعيه
فتفوق بثلاث مرات فرص اليهود الشرقيين. وفي بدايه التسعينات من القرن الماضي كان 88 في
المئه من العائلات ذات الدخل المرتفع ينتمون الى الاشكناز فيما 60 في المئه من العائلات
ذات الدخل المتدني ينتمون الى الشرقيين.
وتم النظر الى اللهجه العبريه الشرقيه التي تضم اصواتا حلقيه على غرار اللغه العربيه على
انها العبريه المحكيه “الصحيحه ” الا ان هذه اللغه بدات تتغير واصبحت تخسر الاصوات الحلقيه
. ويذكر ان عددا كبيرا من اليهود الشرقيين حملوا الى اسرائيل حبهم للموسيقى العربيه ولكبار
المغنين العرب الا انهم وجدوا ان ذلك غير محبذ في اسرائيل. وفي العراق كان 90
في المئه من عازفي الموسيقى يهودا ولم يجدوا مكانا لموسيقاهم العربيه في اسرائيل.
وكان الشقيقان صالح وداود الكويتي نجمين في العراق وقد كتب صالح عددا من الارشيف الموسيقي
في العراق وخارجه الا ان الشقيقين واجها صعوبه في ايجاد جمهور في اسرائيل. ادت الموسيقى
والاغاني دورا في انشاء ثقافه اسرائيليه جديده الا انها “كانت ثقافه وطنيه تناسب ذوق الاشخاص
الموجودين في السلطه . اما الاغاني فكانت اوروبيه شرقيه تضم الحانا روسيه وبولنديه ويديشيه “.
ويزعم بعض الاسرائيليين ان انتشار الموسيقى الشرقيه هو اكبر انجاز يحققه هذا المجتمع على صعيد
ثقافته. فالمغني النجم موشي بيريتس من اصل مغربي. ويتذمر البعض من ان صناعه الموسيقى الشرقيه
ليست مصنفه على انها موسيقى اسرائيليه بل موسيقى “اثنيه ” او “عالميه “. خاتمه الكتاب
عنوانها “لسنا عربا” تقوم شابي من خلالها بعرض الاسباب التي دفعت عددا من اليهود الشرقيين
الى كره العرب وان كان البعض منهم يحب اللغه والثقافه والموسيقى العربيه ويشاهد باستمرار قنوات
التلفزه العربيه .